ترحل سنة ، وتأتي أخرى .. يتغيّرُ الناس قليلاً ، أحياناً يتغيرون كثيراً ..
تفقدُ الدنيا -بحرُقة- بعضَ منْ مشوْا عليها ، وترقصُ فرحاً لرحيل آخرين ..
يثور البشر على بعضهم ، يختلفون ، يتقاتلون وَ يخطؤون .. وأحياناً يصيبون ..
تُشرقُ الشمسُ .. ويُزيحُ نورَها غيومٌ و أمطار ..
برْق .. و رعد .. دفءٌ ينبعثُ وسط كلّ هذا ..
تستمرّ الحياة بصعابها ، بمنعطفاتها وَ تناقضاتها ..
بكرمها ، وبظلمها كما يظنّ البعض ..
كلّ هذا يحدث ، وأنا قابعٌ هناك .. بعيداً بعيداً ..
أرقُبُ طلّتكِ .. ابتسامَتكِ .. حديثكِ البلّوري الشفّاف ..
تدور الأرضُ كما اعتادت أن تدور ، و تهيجُ البحار ، ويأفلُ النور .. ويسكنُ الليل .. وأنا لا أفقهُ إلا قانونَ غيابك!
يأتي سبتٌ ويلحقُهُ أحدٌ .. وتمضي "جمعة" دونَ أنْ أحرّكَ ساكناً .. يبكي التقويمُ أوراقَ أيّامه ، وتشكو العقاربُ دقاتِ الثواني والدقائق ..
كلّ هذا يحدث ، وأنا قابعٌ هناك .. بعيداً بعيداً ..
يبكي طفلٌ ويلعبُ آخر .. تحيكُ الأمُ شالاً ، وتطبخُ الأخرى عشاءً ..
تجمعُ النحلةُ رحيقاً ، ويقطفُ العاشقُ زهرةً ..
يشكي المظلومُ ربَّه .. وَ ينامُ الظالمُ في جنّةِ دنياه ..
ينفثُ المقهورُ دخانَ لفافته .. وَ يمسحُ الصديقُ دمعةَ رفيقه ..
يعيشُ الناسُ أفراحهم وأحزانهم ، ويطبقّونَ أدوارهُم بكل إتقان ..
كل هذا يحدُث .. وأين أنا ؟
كعادتي .. أبقى هناكَ .. بعيداً ، وربّما وحيداً ..
ترحلُ السنة ، وتأتي الأخرى .. يموتُ الظالمُ ويحيى الشهيدُ ..
تثور الدنيا ، و تتغيّر المفاهيمُ والأقوال .. ينقلبُ السحرُ على الساحر ، ويأبى الأرنبُ إلا أن يعتمر القبّعة ..
كل هذا الجنونُ يحدث .. وأبقى أنا ها هنا ..
وتبقين أنتِ ، مفكّرتي .. وأجندتي .. تبقينَ أيامي الطويلة المملة ، وصيفي الدافئ ، وشتائي الحارق ..
تحتكرينَ كلّ ما أعرف ، وكلّ ما أحبّ ..
تجسّدين الصبحَ والعصفورَ والأوراق والأقلام في معجمي .. وقواميسي ..
أنتِ البروازُ والصورة .. و الرحلةُ والوجهة .. والمفرّ و المنفى ..
أنتِ التعبُ ، والراحة .. والدواء المرّ الشافي ..
كل هذا .. أنتِ .. وحدكِ أنتِ !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق